العصبية القبلية وخطرها على الثورة
بقلم : أ خالد الإبراهيم أبو ثابت
إن مصطلح العصبية القبلية هو مصطلح يدل على الموالاة بشكل تام للقبيلة أو العائلة أو العشيرة والقيام بمناصرتها سواء أكانت ظالمة أو مظلومة، وتعتبر العصبية القبلية هي أحد أنواع العصبيات والتي تندرج تحت السلوك الإنساني وعادة ما يتم إطلاق هذا المصطلح على العصبية المذهبية أو العصبية المناطقية أو العصبية الطائفية، ولا يمكننا إنكار التأثيرات السلبية على الفرد والمجتمع جراء انتشار الأنواع المختلفة من العصبية وخاصة العصبية القبلية، وسنعرض في هذا المقال المعلومات المختلفة عن العصبية القبلية بالإضافة إلى خطرها على المجتمع والثورة بشكل عام.
يقول الله تعالى :" قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ".
ويقول أيضا :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ".
روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليس منّا من دعا إلى عصبية، أو من قاتل من أجل عصبية، أو من مات من أجل عصبية".
انتشر في الآونة الأخيرة قضية تحالف العشيرة داخليا وعودة رص صفوفها وتنمية روح التعصب للقبيلة وللعشيرة وتحالفات العشائر.
فإنَّ الإنسان المُسلمَ العاقلَ المُخلصَ لدِينه ووَطَنه وشَعبه ، لَيَتقَطَّعُ قَلبُهُ حَسرَةً وهُوَ يَعِيشُ فِي وَاقعٍ أليمٍ يعِيثُ فِيه فساداً ،كل شيطان رجيم، فَيَرَى المُسلِمُ إخوانَهُ الغَافِلِين كَيفَ يَلهَثُونَ وَراءَ كلِّ خَوّاَنٍ أثِيمٍ، مُستَجِيبِين لنَزَغَاتِ الشَّياطِين ، يَطلُبُونَ بنِعَمَ الله نِقَماً ، وبأمنَهِم فِي الأوطَانِ خَوفاً ونَدماً، و بوَحدَةَ المُسلِمِينَ تَفرِيقاً وتَشَرذُماً ، فلاَ قَبائلِهِم نَصَرُوا ولا الأعدَاء كَسَرُوا.
· ما خطر هذه الآفة؟
اليَومَ أتَحدَّثُ عَن تلكَ الآفَة التِي شَغَلت مُجتَمَعنَا، وقلَّلَت كَثرَتَنَا، وشَتَّتَت شَملَنَا، وشقَّت صَفَّنَا، وأعمَت شيابنا ، وأطغَت شَبَابَنا ، وقد قال فيها رَسُولُنَا صلى الله عليه وسلم " دعوها فإنها منتنة" ، إنَّهَا العَصبيَّةُ القَبَـليَّة المُنتِنَة النَّتنَة ، التِي كَانَت من أسوَء سمَات الجَاهليَّة ، فَنَراَهَا اليَوم مَاثلَةً بينَ أعيننَا كمَا كَانتَ فِي ذَلكَ المُجتَمَع الذِي لاَ يَحكُمُه شَرعٌ ولا تَجمَعُهُ عَقِيدَة، بعدَ أكثر من ألف وأربع مائة وثمان وثلاثين سنة من بَعثَةِ الرَّسُول الأمِين الصَّادق المَصدُوق بهَذَا الدِّين العظِيم رَحمةً للعالمِين.
ذَاكَ المُجتَمَعُ الجَاهليُّ الذِي كانت العَصَبيَّةُ فِيه سائدَةً بجَمِيع أشكَالهَا فِي اللونِ والنَّسَبَ الوَطَن واللغَة والقَبليَّة و غَيرهَا ، وكَانَ العَربُ يَومَهَا قَبَائلَ مُتَفرِّقَة لاَ يَجمَعهَا نظَامٌ ولا يَحكُمُهَا إمَام، فكَانَت العَصبيَّةُ وخَاصَّةً منها القبليَّة هيَ أساسَ النِّظَام الإجتمَاعيٍّ ، فعَاشَ النَّاسُ فِي عَصبيَّة عَميَّة ظَلاَميَّة ،تقتل بعضها عشرات السنين وتتحالف وتبيع نفسها لأعداء أمتها بغية نصرها على قبيلة من جنسها لأجل حظٍ في نفس ولد من أبنائها فيشقى فيها الضعيف والقوي الفرد والجماعة الصغير والكبير العبد والسيد الأمة وسيدتها اللئيم والكريم لاَ تَعرفُ الفَردَ إلاَّ بنَسبهِ وبجَمَاعَته، فإن أبطَأ به نَسَبُهُ لم يَبلُغ به عِلمُهُ ولا عَمَــلُه.
إنَّ مظاهرَ العَصبيَّةِ القبليَّة صارت مُستَفحلَةً فِي وَاقعنا المعاصر بينَ قبائلنا فِي مُجتمعَاتنَا المُسلمَة،وفي ثورتنا المباركة، إلى دَرَجَة التَّقاتُلُ ورفعِ السلاح عَلى المُسلمِين غَيرَ مُبالين بحُرمَة دَم المُسلم ، بل ويُقحمُونَ من لا نَاقَةَ لهُ ولاَ جَمَل فِي صراعهِم ، ومَا ذَنبه إلاَّ أنهُ ينتمِي إلى القبيلَة الفُلانيَّة، فيغِيرُون علَيه ظُلماً وعُدواناً تأجيجاً للفتنَة وإذكاءً لنارهَا.
· استحضارها قبل الثورة السورية
وهذا ما عمل عليه الفرنسيون قبل ذلك واستطاعوا أن يحكموا هذا البلد الطيب بهذه الطريقة، وهذا ماعمل عليه النظام في عهد حافظ الأسد المقبور قبل خمسين سنة استطاع شراء ذمم اغلب القبائل والعشائر لأجل توطيد ملكه وتثبيت حكمه وأركان دولته على حساب العصبية القبيلة واستطاع أن يقيد كل العشيرة من خلال رأسها.
وقد نهج الولد بشار الأسد المجرم نهج أبيه في توطيد أركان حكم سورية له ولعائلة الأسد بأكملها، بتفعيل دور شيخ العشيرة الشخص المحوري وجعل الانتماء في هذا البلد للعشيرة التي تقدم عرابين الوفاء والانقياد والذل للمجرم بشار الأسد، وكلما قدمت أكثر كان لها الصولة والعجرفة والإجرام والسيادة على أقرانها من بني جلدتها تظلمهم وتتعالى عليهم وتأكل حق من سواها.
فتَأمَّل أيهَا القارئ الكريم وأيها الثائر العظيم هَذا وانُظر إلَى مُجتَمَعكَ المعاصر وإلى ثورتك ومآلها، واعلَم يقيناً أنَنِي لَم أحدِّثكَ عن هذا الأمر إلا لأنه يؤذي المجتمع ويؤذي إسلامك ومبادءك وثورتك.
وحين ننظُرُ في تَارِيخِ تلكَ الأقوامِ الجَاهليَّة البائدَة فإذَا بنا نجدُ التَّشابه بل التَطَابُقَ أحياناً في الأخلاَق والمَبادِئ ، فيَخجَلُ الواحدُ منّا والله من نفسه ويُسرع إلى إنذَار بنِي جنسه ، فكفَى في التَّنفير من هذه العصبيَّة نسبتهَا إلى الجاهليَّة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّة الوَدَاع :( ألا إن كُلَّ شَيءٍ من أمرِ الجَاهليَّة تحت قدَمي مَوضُوع).
فَكَيفَ نَرجعُ إلى تلكَ الحمأة المُنتنَة التِي أنقذ الله أسلافَنَا مِنهَا، وهَذَا كتابُ الله وهَذِهِ سُنَّةُ رسوله صلى الله عليه وسلم بينَ أيدِينَا تُحَذِّرُنَا من الانتكَاسة إلى تلك الأخلاق القبيحَة.
فمَا بال قَومي لا يَعلَمُون ولا يفهَمُون ، مَا بالُ هَذه القَبَائل العربيَّة -وغَيرِ العربيّة - المُسلمَة بشِيبهَا وشَبَابهَا ، إذَا نَادَى فيهَا مُنادِي القبليَّة :"يــالبني فلان "، اشتَعَلت قُلُوبهُم حميَّة وطَارُوا إلى الشَّر والفتنَة زُرافات ووُحداناً عَصبيَّةً بغَير رَويَّة ، فلا يطلُبُون إلاَّ نَصرَ إخوانهم وأبناء عُمُومتهم ومن انتَسَب إلى قبيلتهِم، بحقِّ أو بباطلٍ، بحَرامٍ أو بحَلاَل، لا يرُومُون إحقاقَ حقٍّ ولا إقامَة عَدلٍ.
واعلَم أخِي المسلم الثائر - وأخص الثائر هنا لأنها أصبحت الشغل الشاغل في المناطق المحررة ولهث خلفها الثوار وغيرهم - أنَّ الإسلاَمَ كَانَ لهُ مَوقفٌ حاسمٌ حازم صَارم، من هَذه الآفة الفتَّاكَة التِي تُفتِّتُ الشُّعُوب، وتُبعثِرُ الجُهُود، وتُفسدُ القُلُوب، وَصفَهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمُنتنَة ، فَهَدَمَ أصلَهَا : وقال يوم فَتح مَكَّة : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ ".
ضعفاء العقول قد تحيي النزاعات وتجدد فيما بينها الثارات فلا يستهينن بها أحد فإنها إرهاصات ومقدمات لتفكيك مجتمع التوحيد في هذه البلاد ، وإضعاف شوكتنا , وزرع الفتنة بيننا، وقتل ثورتنا بل إنها الطعنة الأخيرة في صدر ثورتنا الكريمة التي تآمر عليها الشرق والغرب القريب والبعيد.
أيها المسلم أيها الثائر دعها فإنها مهلكة لنا جميعا فإنها ستجمع كل أفراد القبيلة أو العشيرة ثائرها وغيره وبجعل هذا الرجل الذي ثار على هذا النظام المجرم ينسى ثورته بالتعصب للقبيلة ويدافع عنها مرة لأجل فلان من العشيرة الأخرى انه شبيح ومؤيد قد اعتدى عليه في ذات يوم فيأخذ عليه ويقتله فتثور القبيلة على الآخرة بحجة الأخذ بالثأر وهكذا ينتهيان ويلتهيان عن قتال النظام بل صنعتا لأجل قتل بعضهما وبذلك تفسحان المجال أمام النظام لأختيهما المتبقيتان لإنهائهما وقتل روح الإسلام والمبادئ والقيم والثورة فيهم وهكذا دواليك.
إن النعرات الجاهلية والعصبية القبلية ولاء لغير الله عز وجل وبعد عن مفهوم الإسلام الصحيح وضعف في الإيمان ، وسبب للفرقة والإختلاف بين المسلمين ، وهما سبب لضعف الشوكة وتفرق الكلمة واستباحة الدماء ، فأرفعوا أنفسكم وكونوا المسلمين المؤمنين وعباد لله ، فإن الإنسان إنما يسعد بحبه في الله وبغضه في الله ، والفخر الحقيقي والنسب الناصح الناصع هو الإسلام، فبه نحيا، وعليه نموت، وإليه ننتسب .
- آثار العصبية القبلية على الفرد والمجتمع وعلى الثورة السورية وعلى الوطن بكامله.
- وقوع الأشخاص في الحقد والغل والكراهية والتحاسد والتدابر والتباغض.
نهى الرسول صل الله عليه وسلم عن ذلك قائلا: " إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا" .
- إيقاع التفكك والضعف والوهن في جسد الأمة الإسلامية عامة والقومية خاصة بل زد عليهما الثورية والمناطقية والفصائلية والعشائرية، ويحدث ذلك نتيجة مخالفة النصوص الصريحة من القرآن والسنة وسنة الأولين من الأمم من قبلنا والتي تنهى عن ذلك ونتعظ بها.
- إن الانشغال بالعصبية القبلية يجعل أفراد المجتمع ينشغلون عن الاهتمام بالقضايا الكبرى المصيرية لديهم، حيث تكون التجمعات الصغيرة مشغولة ومهتمة بكيفية تحقيق نصر بعضها على بعض.
- العصبية القبلية تجعل الأفراد يتناسون وينشغلون عن الأخطار المحدقة بالأمة، وتجعلهم ينحرفون عن غاية ثورتهم وأهدافها والتي تتطلب منهم أن يتكاتفوا ويجتمعوا لينتصروا .
- طمع الأمم في الأمة الإسلامية، حيث أنها تصبح أمة ضعيفة الجسد ليست تمتلك جسداً قوياً، ولا تتميز ببنيانها المرصوص كما كانت سابقا.
- إن الأمة القوية تأخذ بأسباب القوة والوحدة والنصر لينصرها الله.
- أما الأمة الضعيفة فهي التي تهمل أسباب النصر والقوة فيخذلها الله
- بالإضافة إلى ذلك فإن العصبية تجعل المسلم يخسر آخرته، فهو يكسب السيئات عند وقوعه في عرض أخيه الذي ينتمي إلى الجماعة الأخرى وذلك بالهمز واللمز، والسخرية والاستهزاء، والغيبة والنميمة، وغير ذلك من المهلكات.
نعم وهذا ما عمل النظام النصيري وميليشياته منذ البداية على تفتيت المجتمع السوري وخلخلة صفوفه وإضعاف روح الثورة وحرفها عن مسارها وتقديمها للعالم أجمع على أنها في البداية حرب أهلية، ثم قسّم المجتمع بين مؤيد ومعارض، ثم بتقسيمه وإضفاء صفة الحرب الطائفية، ثم بتقديمها حرب على الإرهاب ثم بجعلها فصائلية ثم منطقية ثم أعطاها صفة الاثنية العرقية القومية، وهاهو في نهاية المطاف يشرعن عشائريتها وقبليتها ليتم ضربها ببعضها فتنتهي ويتم الخلاص من الثورة ويستقيم الحكم له ولأبنائه.
نعم إنها المهلكة الأخيرة إن لم نسخرها في صالح ثورتنا – ومن يضمن ذلك - وموجهة لها ومدعمة لمبادئها وتشحذ همم ثوارها وتشد أزرهم وتجعلهم يتنافسون فيها ومن خلالها على البذل والتضحية والإخلاص للثورة والحفاظ على مكتسباتها ويتسابقون في المكارم ورفعة وعز وبناء هذا الوطن.
تعليقات
إرسال تعليق